تُعدُّ شركة "ديب سيك" (DeepSeek) الصينية واحدة من أبرز الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث استطاعت في فترة وجيزة أن تُحدث تأثيرًا كبيرًا في هذا المجال، مما أثار اهتمامًا واسعًا على الصعيدين المحلي والدولي.
تاريخ نشأة وتأسيس ديب سيك
تأسست "ديب سيك" في مايو 2023 في مدينة هانغتشو بمقاطعة تشجيانغ الصينية، بتمويل حصري من صندوق التحوط الصيني "هاي فلاير" (High-Flyer). يرأس الشركة ليانغ وينفينغ، خريج جامعة جيجيانغ، الذي بدأ مسيرته في التداول خلال الأزمة المالية العالمية 2007-2008. استخدمت "هاي فلاير" تقنيات التعلم الآلي في تداول الأسهم، مما مهد الطريق لإنشاء "ديب سيك" كشركة مستقلة تركز على أبحاث الذكاء الاصطناعي.
إصدارات ديب سيك للذكاء الاصطناعي المبتكرة
منذ تأسيسها، أطلقت "ديب سيك" عدة نماذج لغوية كبيرة مفتوحة المصدر، كان أبرزها:
1. DeepSeek-V3: أُطلق في ديسمبر 2024، وتميز بسرعة استدلال فائقة مقارنةً بالنماذج السابقة، مما جعله يتصدر قائمة النماذج المفتوحة المصدر ويتفوق على العديد من النماذج المغلقة المتقدمة عالميًا.
2. DeepSeek-R1: أُصدر في يناير 2025، ويُعتبر نموذجًا مفتوح المصدر ينافس نموذج "o1" من "أوبن إيه آي". يُتاح هذا النموذج عبر الويب والتطبيقات وواجهة برمجة التطبيقات (API)، مما يجعله متاحًا لمجموعة واسعة من المستخدمين.
مقارنة مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأخرى مثل ChatGPT
يُشبه "ديب سيك" تطبيقات الدردشة الأخرى المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، مثل "تشات جي بي تي" (ChatGPT) من شركة "أوبن إيه آي". إلا أنه يتميز بتقديم إجابات طويلة ومفصلة، مع شرح الأسباب وراء تقديمه لإجابات معينة، وهو ما لا تفعله بعض التطبيقات الأخرى. مع ذلك، يتجنب "ديب سيك" التعبير عن آرائه الشخصية، خاصةً في الموضوعات الحساسة أو المتعلقة بالسياسة. فعلى سبيل المثال، عند سؤاله عن الرئيس الصيني شي جينبينغ أو قضية تايوان، يقترح تغيير الموضوع بدلاً من تقديم إجابة مباشرة.
التكلفة والكفاءة للتطبيق deepseek
ما يميز "ديب سيك" هو قدرته على تقديم نماذج ذكاء اصطناعي عالية الكفاءة بتكلفة أقل مقارنةً بمنافسيه. فبينما أنفقت شركات أمريكية كبرى، مثل "إنفيديا" و"ميتا"، مبالغ ضخمة للهيمنة على قطاع الذكاء الاصطناعي، استطاعت "ديب سيك" تحقيق نتائج مبهرة بميزانيات أقل، مما أثار قلق هذه الشركات.
السرعة في الاستجابة
يتميز "ديب سيك" بسرعة استجابته العالية، إلا أنه قد يواجه تحديات في التعامل مع العدد الهائل من المستخدمين الذين يحاولون تجربته، خاصةً بعد الضجة الإعلامية التي أثارها عالميًا.
اللغات الموجودة في ديب سيك الحالية
يدعم "ديب سيك" العديد من اللغات، بما في ذلك اللغة العربية. يُقال إنه يفهم اللهجات المحلية المختلفة، مما يجعله أداة مفيدة للمستخدمين في عدة المناطق منها الدارجة المغربية
الاعتبارات الأخلاقية والاتجاهات المستقبلية
تُدرك "ديب سيك" التحديات الأخلاقية المرتبطة بتطوير الذكاء الاصطناعي، مثل الخصوصية والتحيز وإمكانية استبدال الوظائف. لذلك، تلتزم الشركة بتعزيز الشفافية ووضع إرشادات أخلاقية لضمان استخدام تقنياتها بشكل مسؤول. في المستقبل، تركز "ديب سيك" على تطوير ذكاء اصطناعي عام (General AI)، واستكشاف إمكانات الحوسبة الكمية، ومواصلة دفع حدود التعاون بين البشر والآلات.
تُعدُّ "ديب سيك" مثالًا حيًا على الابتكار الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث استطاعت في فترة قصيرة أن تُحدث تأثيرًا كبيرًا وتنافس عمالقة التكنولوجيا العالميين. من خلال التزامها بالابتكار والمسؤولية الأخلاقية، تضع "ديب سيك" معايير جديدة في عالم الذكاء الاصطناعي، وتُمهّد الطريق لمستقبل تُصبح فيه هذه التقنيات جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.