أحيدوس هو الاسم الأصلي العام لدى أمازيغ المغرب الأوسط، ويتم استخدامه في الصيغة الجمع أحيداس. يشير إلى رقصة جماعية مميزة تتميز بخفة الحركة والسرعة، وترتبط أيضًا بحركة الأكتاف. رقصة أحيدوس تمارس كطقس جماعي
تعكس الفنون الشعبية المغربية تراثًا موسيقيًا وغنائيًا أصيلًا وإلهامًا شعبيًا غنيًا يتجلى في كل منطقة في المملكة بتنوع طقوسها وعاداتها وتقاليدها. تتراوح هذه الفنون من جبال الأطلس الكبير والصغير في الشمال إلى مناطق الشاوية وعبدة في الوسط، وحتى موسيقى الصحراء في الجنوب. إنها مزيج فريد من الموسيقى والغناء يعكس تلاحم الثقافات عبر العصور، ويحافظ على روح الإبداع البسيط والأصيل.
كلمة "أحيدوس" هي كلمة أمازيغية تعني الرقصة الجماعية المميزة بخفة الحركة والسرعة، وتنتشر هذه الرقصة الشعبية في جبال الأطلس المتوسط، حيث تجتمع الطبيعة الخلابة والغناء. تحتوي رقصة أحيدوس على عناصر أساسية تشمل الشعر والغناء والرقص والإيقاع. يرتبط فن أحيداس بالمناظر الطبيعية والجغرافية لمنطقة الأطلس، التي تتميز بالمياه والأعراس والجبال والمناظر الطبيعية الخضراء. على مر القرون، حافظ هذا الفن على تقاليده وإيقاعاته وشكله الدائري، حيث يشارك الرجال والنساء معًا في التعبير عن الفرحات الجماعية التي ترافق حياة الناس في المناطق الجبلية والزراعية على طول سهول وتخوم المتوسط.
البندير هو الآلة الموسيقية الأساسية المستخدمة في إيقاع رقصة أحيداس، وترافقها أصوات الأيدي التي يشارك فيها فرق نسائية ورجالية. يتشكل الرقص في شكل دائرة متماسكة تتكون من الأكتاف وتارة الأيدي. يقوم قائد الفرقة (المقدم) بتصميم الرقصات بطريقة متناسقة موسيقيًا وحركيًا، حيث يتحكم في حركات وصرخات أكثر من خمسين راقصًا وراقصة، بما في ذلك النساء المتزوجات بصفة خاصة.
رقصة أحيدوس تعتمد على خفة الحركة والدوران السريع والتنقل بسرعة فائقة في بعض المناطق . تعتمد بشكل أساسي على النداء والإيقاع. النداء هو غناء مبتكر يسمى "تماويت"، وغالبًا ما يتم غناؤه في مقام الصبا. يقوم مغنٍ بصوت قوي وحاد بأداء هذا النداء. أما الإيقاع، فهو إيقاع معتدل السرعة، ويتكون من خمسة عناصر. يتم تقليص الإيقاع في بعض المناطق إلى النصف. كما يتضمن الإيقاع إيقاعات ثنائية ورباعية، وهي الأكثر استخدامًا في الموسيقى الشعبية المغربية.
يقوم الباحث في فن أحيدوس، الحسين الدمامي، بالتفسير خصوصية أحيدوس بشكل واحد، حيث يختلف هذا الفن من قبيلة إلى أخرى وحتى داخل نفس القبيلة يمكن التمييز بين عدة أنواع من أحيدوس. ويشير الدمامي إلى أن محور رقصة أحيدوس يتمايل بنفس محور دوران الكرة الأرضية، أي من الشرق حيث تشرق الشمس، مما يضفي طابعًا رمزيًا على مسار الرقصة التي تتحرك من اليمين إلى اليسار. ويختم الباحث الدمامي بالإشارة إلى أن رقصة أحيدوس تتم ليلاً وتنتهي عند بزوغ الفجر، حيث ترمز نجمة الصباح إلى عودة الشمس من جديد بعد غروبها. وهذا ما يضفي طابعًا رمزيًا على مسار الرقصة.
يستحضر الشاعر الأمازيغي والباحث، ميلود الحور، الرمزية أيضًا في قصائده عن رقصة أحيدوس. يشير الحور إلى أن محتوى هذه الأشعار غالبًا ما يتضمن السخرية والتركيز على تجنب الخطاب المباشر. يشبه الحور قدرة المستمع على فهم الشعر في رقصة أحيدوس بالامتحان، حيث يلعب الشاعر على تشويش الكلمات لكي لا يتأثر المستمع بتأثيرها الساحر.
ويرى الحور أن الرقصة تقدم تجربة سحرية فريدة، حيث يعتبر المرقص مكانًا "محرمًا" يتعرض طقوسه الخارقة للإصابة باللعنة. إن رقصة أحيدوس تشكل أيضًا مجالًا للتنافس الشعري بين "نظّام" الكلام، الذي يعكس العلاقات الاجتماعية المحكومة بالتوتر والمنافسة.
يخفت حدة التنافس بين "الناظمين" في الرقصة كلما اقتربت الرقصة من النهاية، وعادةً ما تنتهي بقصائد تطلب الغفران والمصالحة. يبدو أن الرقصة تشبه الحكاية التي تبدأ بطقس صعب وتنتهي بنهاية سعيدة. فعلى سبيل المثال، يُعتقد أن رقصة أحيدوس في الأصل تُستخدم كوسيلة للتطهير وتفريغ العدوانية، وتعكس تأويلًا شعريًا يتميز بالتفاؤل وجلب البركة والأمل، ويستخدم كأداة لقراءة المستقبل أو تسريع الفرح.
بهذه الطريقة، تصبح رقصة أحيدوس مزيجًا فريدًا من العناصر الموسيقية والشعرية والرمزية. إنها تجسد التراث الأمازيغي وتمثل وسيلة للتعبير عن التقاليد والثقافة المحلية، مع إبراز تنوعها وتعددية تجلياتها حسب القبيلة والمنطقة. رقصة أحيدوس تعد إحدى الجوانب الأساسية للهوية الثقافية للأمازيغ وتعكس قدرتهم على الابتكار والتأثير في الفنون الموسيقية والشعرية.
موحى والحسين أشيبان، المعروف بالمايسترو، هما من أبرز راقصي الرقصة الاستعراضية الأمازيغية، أحيدوس، وقد اكتسبا شهرة عالمية. نشأا وعاشا في منطقة قروية بالقرب من مدينة خنيفرة، بعد أن انتقلت عائلتهما من قبيلة إملوان في جماعة إملشيل بجبال الأطلس. ارتبطت الرقصة الاستعراضية والغنائية لأحيدوس بالطبيعة والجغرافيا لسكان الأطلس، حيث يرتفع صوت الحيدوس وسط المقاطع الغنائي
الأمازيغية. نشأت هذه الرقصة في المناطق الجبلية العالية، حيث الغابات والمياه والحقول الخضراء والمناظر الطبيعية الجميلة.
كانت هذه الرقصة الفنية تقام على شكل دوائر وأشكال نصف دائرية، وتشارك فيها النساء والرجال على حد سواء، كتعبير عن الفرح والسعادة والمناسبات الجماعية التي يحتفل بها سكان الأطلس في حياتهم اليومية المرتبطة بالطبيعة والزراعة في سهول وتلال الأطلس.
"المايسترو"، كما يعرف موحى الحسين أشيبان، كان يرعى الأغنام في صغره، وانضم إلى القوات المغربية التي شاركت إلى جانب الجيش الفرنسي في الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا النازية. يتذكر زملاؤه في الحرب أنه كان يعزف على الدف حتى أثناء فترة خدمته العسكرية في فترة الاستعمار. بعد عودته إلى المغرب، احترف الغناء ورقصة أحيدوس الشهيرة بـ "صيخات" التي تعلو في جبال الأطلس، واتبع ذلك مسيرة فنية طويلة، ومنحته لقب المايسترو بجدارة. كان أول من أطلق عليه هذا اللقب الرئيس الأمريكي رونالد ويلسون ريجان.
قدم موحى الحسين أشيبان الفن التراثي الأطلسي المغربي في العديد من المؤتمرات والمهرجانات العالمية، ونجح في منح فن أحيدوس مكانة مرموقة في عدة فعاليات فنية دولية في أفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة. شارك في أكثر من 150 مؤتمرًا ومهرجانًا دوليًا، وكان أول مغربي يُشعل شعلة افتتاح كأس العالم لكرة القدم في عام 1982 في إسبانيا.
حصل على العديد من الجوائز والتكريمات العالمية، بما في ذلك وسام "الفنان العالمي" الذي منحته إياه ملكة بريطانيا في عام 1981.
بفضل تألقه وموهبته، ترك موحى الحسين أشيبان بصمة قوية في عالم الفن وأسهم في رفع مكانة فن أحيدوس والتعريف بالثقافة الأمازيغية على المستوى العالمي.