دور وادي سبو في تاريخ المغرب



قد يعجب المرء إن سمع بأن في تاريخ المغرب أحد المبعوثين الأوروبيين سافر من مدينة فاس على متن السفينة مباشرة الى مدينة مرسيليا بفرنسا.

والأغرب من ذلك إذا قيل بأن معملا لصناعة السفن كان في القديم مقاما على ضفاف وادي سبو بفاس.

والأغرب جدا، أن ميناء نهريا داخليا كان مقاما على ضفة وادي سبو في مدينة مشرع بلقصيري التي تتوسط سهل الغرب الفسيح.

نعم هذه حقيقة، والشاهد على ذلك، أن وادي سبو يعتبر من أكبر أودية شمال أفريقيا  بعد وادي النيل، لأنه نهر عريض تجري فيه مياه صالحة للملاحة، فقد استعملته الممالك القديمة الأمازيغية والرومانية والفينيقية في نقل بضائعهم الى السواحل الأطلسية، ومن تم تتخذ سبيلها في البحر الى الخارج.

وورد في التاريخ القديم، أن وادي سبو أشير اليه في العديد من الرحلات الرومانية، مثل رحلتي (حانون وسيلاكس) الذي قال : فبعد (ليكسوس) يوجد (نهر كرابيس) والمدينة الفينيقية (تمياتريون)، ولم يكن كرابيس المذكور سوى النهر الذي وصل اليه (حانون) بعد يومين من الإبحار بعد اجتياز أعمدة هرقل، وفي نفس السياق ترد إشارة (بلينيوس) عن نهر (كراتيس) الذي ينطلق من بحيرة لينتهي في البحر، هذه البحيرة يمكن أن تطابق (مرجات الغرب).

كما كان نهر سبو شريان ملاحة مهم في سهل الغرب، خاصة خلال الفترات التي يصعب فيها سلوك الطرقات البرية، حيث كان  النهر وسيلة اتصال آمنة وسريعة، تجلت بصورة خاصة في (مدينة بناسا) الأثرية التي أسست على إحدى ضفتيه.

وفي العصور الاسلامية الوسطى، ورد في كتاب (زهرة الآس) أن السفن كانت تصعد على وادي سبو الى أن تصل مدينة فاس، وأن هذه المدينة كانت تتوفر على مصنع للسفن.

ومن الإشارات التاريخية للوادي ما ورد عند (جوفروي بويض) الذي أرسل مع بعثة أوروبية الى المغرب سنة 1560م، بأنه تعرض لوعكة صحية أثناء زيارته لمدبنة فاس، مما اضطره الى البقاء في فاس الى أن شفي، ثم سافر على متن سفينة قادمة من مرسيليا الى فاس محملة بالبضائع، وهو الدليل أن السفن كانت تصعد من المحيط حتى وادي فاس أو العكس .

وفي القرن 20م، وخلافا لما هو عليه الآن ، فقد كان الوادي في فترة الحماية الفرنسية الشريان الرئيسي في منطقة الغرب، حتى إن عددا من السفن الصغيرة كانت تصل الى مدينة مشرع بلقصيري لنقل المنتوجات والمزروعات الفلاحية الى الخارج.

هذا جانب من حضارتنا التي تشهد على أن المغرب له تاريخ عريق وماضي اقتصادي واجتماعي مشرق.

---------------------------

المصادر : منقول من بحث الأستاذين بلفايدة والعيوض، ومراجع مشار اليها في صلب الموضوع

تقديم : محمد زلماضي المزالي

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-